فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

تقرير سياسةُ تقطير الوقود.. مقصلة "إسرائيلية" تهدِّد حياة مرضى غزَّة

...
الوسطى/ نبيل سنونو

يبدو عبد المجيد عيسى (70 عامًا) كمن يحمل جبلًا على ظهره بعد انتظاره الطويل لتشغيل جهاز غسيل الكلى، الذي توقف أربع ساعات عن العمل بسبب منع الاحتلال الإسرائيلي تزويد مستشفيات قطاع غزة بحاجتها الكافية من الوقود.

ينهكه، ومعه الآلاف من المرضى في القطاع، سوء حالاتهم الصحية وتداعيات حرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي تشمل النزوح القسري، التجويع، التعطيش، وتهديد حياتهم بتقييد حقهم في العلاج أو حرمانهم منه.

وفي السابع من الشهر الجاري، توفيت مريضة بسبب انعدام الوقود اللازم لتشغيل أجهزة غسيل الكلى، وفقًا لوزارة الصحة في غزة، التي حذرت من كارثة ستُحل بالمستشفيات ومحطات الأوكسجين وثلاجات حفظ الأدوية وحضانات الأطفال جراء نفاد الوقود.

وأفاد بيان للوزارة بأن نفاد مخزون الوقود في المستشفيات ناجم عن سياسة الاحتلال بالحد من إدخاله منذ بداية الحرب، وإجبار قوافل المساعدات وسيارات الوقود على سلوك طرق مليئة باللصوص وقطاع الطرق لسرقتها.

"عندما تحتاج في الأصل إلى الغسيل الكلوي ثلاث مرات بواقع أربع ساعات أسبوعيًا، وتضطر إلى الغسيل مرتين فقط لمدة ساعتين لكل منهما، فهذا يعني أنك فقدت الغسيل الفعلي، وتبقى السوائل متراكمة في جسمك"، يشرح عيسى بحزن لـ "فلسطين أون لاين"، وهو مدير سابق لإحدى المدارس الثانوية، بينما كان على مقعد الغسيل الكلوي في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح.

ويأتي ذلك في وقت تضاعفت فيه أعداد مرضى الفشل الكلوي المترددين على مستشفى "شهداء الأقصى"، مع النزوح القسري لمئات الآلاف من الغزيين إلى دير البلح ولجوئهم لتلقي الخدمة الصحية في هذا المستشفى، الذي يعد الوحيد في المحافظة الوسطى.

وعانى عيسى مرارًا من أزمة الوقود التي يصنعها الاحتلال، والتي تتسبب في انقطاع الكهرباء عن أجهزة الغسيل الكلوي عدة مرات في الجلسة الواحدة، أو تأخر تشغيلها.

ولأزمة الوقود وجه آخر يتمثل في قلة سيارات الأجرة التي يمكنه الانتقال عبرها إلى المستشفى من بلدة الزوايدة، عدا عن أنه يتكبد في كل زيارة للمستشفى نحو 30 شيقلًا كأجرة مواصلات، خاصة مع فقدانه القدرة على المشي.

ويوضح عيسى، الذي يعاني من الفشل الكلوي منذ ست سنوات، أن المعاناة متنوعة، لكن أزمة الوقود هي الأخطر التي تهدد حياة المرضى والنظام العام في المستشفى، لأنها عصب الحياة في ظل انقطاع التيار الكهربائي بسبب استهداف الاحتلال محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع.

ويجبر ذلك المستشفيات على الاعتماد على مولدات الكهرباء، التي لا تتوفر لها كميات كافية من السولار. ويقول عيسى: "الاحتلال دائمًا يمسكنا من يدنا التي توجعنا، خاصة في موضوع الوقود".

وتضاف هذه السياسة التي ينتهجها الاحتلال إلى منعه الآلاف من المرضى والمصابين في قطاع غزة من السفر للعلاج، وحرمانهم من فرص التعافي.

تجاوز الخطوط الحمراء

من جهته، يقول المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى، خليل الدقران: "إن جيش الاحتلال، منذ بداية العدوان، يحاصر قطاع غزة ويضغط على المنظومة الصحية، ويتجاوز جميع الخطوط الحمراء بالاعتداءات المتكررة عليها".

وفي تصريحات لـ"فلسطين أون لاين"، يوضح الدقران أن الاحتلال منع مؤخرًا وصول الوقود لمستشفيات القطاع، ما يشكل خطرًا كبيرًا على حياة المرضى، خاصة المنومين في أقسام العناية المكثفة والحضانة والكلية الصناعية والعمليات والاستقبال والطوارئ والقلب.

ويحذر من أن استمرار الاحتلال في منع وصول الوقود للمستشفيات يمثل حكمًا بالإعدام على هؤلاء المرضى، مبينًا أن انقطاع الكهرباء في الساعات الأولى يشكل خطرًا مباشرًا على الآلاف منهم في القطاع.

ويتبع الاحتلال "سياسة التقطير" في إرسال الوقود للمستشفيات في الرمق الأخير، وفقًا لإفادته.

ومع إبلاغ جهات أممية ليلة أول من أمس المستشفيات بأنها ستزود بكميات من الوقود، يقول الدقران: "ناشدنا تلك الجهات الضغط على الاحتلال لإرسال الكميات الكافية والمخزون الذي يسد حاجة المستشفيات، لأنها تعتمد كليًا على المولدات الكهربائية".

ويضيف: "لا نريد سياسة التقطير ليوم أو يومين، بل نحتاج توفر الوقود دائمًا، خاصة في ظل انعدام التيار الكهربائي بعد تدمير الاحتلال محطة التوليد الوحيدة".

وفي الثامن من الشهر الجاري، قالت وزارة الصحة في غزة: "إن كمية محدودة جدًا من الوقود سُلّمت لتشغيل مولدات الكهرباء في المستشفيات، ما يؤجل الأزمة لليوم التالي"، مناشدة في بيان المؤسسات المعنية والأممية والإنسانية بالتدخل العاجل لتوفير الاحتياج الكامل من الوقود وتأمينه دوريًا.

ويبقى استمرار "سياسة تقطير الوقود" الباب مفتوحًا أمام تسجيل المزيد من الضحايا، الذين يُعدمهم الاحتلال على مقصلة حرمانهم من تلقي العلاج المناسب، في خضم حرب الإبادة الجماعية التي قتلت وأصابت نحو 155 ألف غزي.

المصدر / فلسطين أون لاين